16/11/2008
نظم مكتب الثقافة بأمانة العاصمة صباح أمس على قاعة جمال عبدالناصر بجامعة صنعاء، ندوة بعنوان «اليمن في عيون الرحالة» بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين، وفي حفل الافتتاح الذي حضره الدكتور خالد طميم – رئىس جامعة صنعاء وقيادات أمانة العاصمة ألقى العميد محمد رزق الصرمي – الوكيل الأول بأمانة العاصمة كلمة، أشاد فيها بالندوة التي اعتبرها فاتحة صفحة جديدة في سجل التعاون بين السلطة المحلية وجامعة صنعاء، مؤكداً أن هذا التعاون أساسه المعرفة ومنطلقه ومحركه الأول الشعور بالمسؤولية المشتركة تجاه هذا الوطن، موضحاً أن الندوة التي يشارك فيها نخبة من الأكاديميين والمثقفين، تحيل إلى منهج مختلف في الاحتفال بالثورة اليمنية وأسلوب مغاير في الاحتفاء بالتغيير الذي جاء به الـ26 من سبتمبر والـ14 من اكتوبر والـ30 من نوفمبر، مشيراً إلى الأهمية التاريخية للمتن الكبير الذي سطرته اقلام المستشرقين الوافدة، وهو ما يدعو إلى مزيد من التواصل والتثاقف والحوار مع الآخر، ومراجعة الكثير من الأفكار النمطية التي تكونت عن هذا البلد وعاداته وتقاليده وفنونه ومكانته الحضارية وموقعه في الجغرافيا السياسية ومدى تأثيره في محيطه وتأثره به.
وقال الصرمي في ختام كلمته: إن الندوة رسالة بليغة لأولئك الذين يدعون إلى حوار الحضارات وحوار الأديان بينما يغلقون الأبواب أمام كل حوار بناء في إطار المجتمع والوطن.
من جانبه ألقى الأخ كمال محمد البرتاني – مدير عام مكتب الثقافة بأمانة العاصمة كلمة رحب فيها بالحاضرين وأشاد فيها بالتعاون مع جامعة صنعاء في احتضان مثل هذه الفعاليات.
مشيراً إلى أن الندوة تترجم فصولاً من تاريخنا، باحثة عن أنفسنا في عيون الآخر، وقال: إن من يقرأ ما كتبه الرحالة والمستشرقون عن اليمن يجد بين يديه روايات عديدة لقصة واحدة هي قصة الإنسان اليمني الذي احتاج ستة عقود من عمر القرن العشرين حتى يفسح لرياح التغيير مجالاً للهبوب ويفتح نوافذ للضوء كي يفتت صخرة الليل التي جثمت على صدر شعب بأكمله.
مؤكداً أن تلك الكتابات توثق لحلقات متصلة من الآلام والأحزان والخيبات التي كان لا بد منها كي نصل إلى ما نحن فيه الآن، وكأنها مقدمات لهذا الفصل الجميل من تاريخ اليمن، هذا الفصل الذي يشبه النهايات السعيدة لقصص الصبر والكفاح.
كما ألقى الشاعر والباحث علوان مهدي الجيلاني كلمة باسم الباحثين والمشاركين في الندوة، مثنياً على فكرة وتنفيذ الندوة ومكان إقامتها، مؤكداً على ضرورة قراءة المتن الضخم الذي تراكم عبر ما يقرب من ثلاثة قرون وتناول الأرض والإنسان في اليمن من خلال عيون عربية وأوروبية، موضحاً أن مثل تلك القراءة ستكشف لنا صورتنا لدى الآخر، بما فيها سلباً وإيجاباً، مؤكداً أن الكثير من تجليات وجودنا لا تلفتنا نحن بسبب الألفة، ولم يقرأها الآخر بسبب تقصيرنا نحن في الترويج لبلادنا وفتح آفاقها لعيون الدارسين والباحثين والكاتبين من خارجها، مختتماً حديثه بالدعوة لتكون الندوة باباً نفتحه للاحتفاء ببعض ما كتبه الرحالة عن بلادنا ودعوة لجهود أخرى أوسع وأشمل في هذا السبيل.
وبعد انتهاء حفل الافتتاح انعقدت الندوة وبدأت أعمالها برئاسة الدكتور عبدالله حسين البار رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وفي مستهلها أكد البار على أهمية الندوة وأهمية موضوعها الخليق بالقراءة والدراسة، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه الخروج بنتائج طيبة على صعيد فهمنا لأنفسنا وتصحيح الصور المغلوطة في نظر الآخرين عن تاريخنا، إضافة إلى تمكيننا من عقد المقارنات بين ماضٍ غابر وحاضر معاش، وبين هذا وذاك من أشواط كبيرة قطعها الإنسان اليمني في رحلة الكفاح والبناء والحرية والازدهار.
بعد ذلك ناقش المشاركون في الندوة عدداً من الكتابات العربية والغربية التي تناولت اليمن، حيث بدأ الحديث الأستاذ عبدالباري طاهر عن الرحلة اليمانية لعبدالعزيز الثعالبي إلى اليمن عام 1924م، واستعرض خلال ذلك بالتفصيل وقائع هذه الرحلة ووصف الثعالبي لليمن آنذاك طبيعياً واجتماعياً وسياسياً كاشفاً عن ملاحظاته التي خرج بها حول هذا الكتاب وهذه الرحلة.
أما الدكتور عبدالكريم قاسم فقد قدم في ورقته عرضاً تحليلياً لكتاب اليمن من الباب الخلفي، لمؤلفه «هانز هولفريتز»، حيث استعرض دوافع الرحلة وأهدافها وصورة الدولة وإدارة الحكم في عهد الإمام يحيى، والثقافة والفنون والعادات والتقاليد كاشفاً عن الأخطاء والمغالطات التاريخية التي وقع فيها مؤلف الكتاب، وهي- حسب الدكتور عبدالكريم قاسم- مغالطات مجافية لحقيقة الإنسان العربي وللإسلام وتنم عن الجهل والعنصرية والعدائية التي عبرت عنها مركزية الثقافة الأوروبية.
كما تناول الدكتور عبدالوهاب المقالح عرضاً مفصلاً لصورة اليمن في رواية «صيد السلمون في اليمن» لمؤلفها بول توردي، ومن جانبه تناول الشاعر والأديب سلطان عزعزي بالقراءة والتحليل كتاب الدانماركي «توركيل هانسن» «من صنعاء إلى كوبنهاجن»، وقدم علوان الجيلاني مقاربة لانطباعات البعثة الدنماركية عن أهل تهامة، فيما حاول الدكتور حسين الزراعي استخلاص صورة اليمن من خلال كتاب «كنت طبيبة في اليمن» لكلودي فايان، واختتمت الندوة بورقة عن صورة اليمن كما رآها أمين الريحاني في عام 1922م ودونها في كتابه ملوك العرب، قدمها الكاتب والأديب علي ربيع.
وفي ختام أعمال الندوة خرج المشاركون فيها بعدد من التوصيات أكدت على ضرورة ايجاد صيغة دائمة للتعاون والتنسيق بين المؤسسات الثقافية الرسمية والسلطة المحلية من جهة والجامعات من جهة أخرى.
والعمل على إنشاء مؤسسة رسمية تابعة لوزارة الثقافة تعنى بالترجمة والتعريب وتتولى ترجمة ونشر كل ما كتب ويكتب عن اليمن إلى جانب ضرورة استثمار علاقات التعاون بين اليمن والدول الشقيقة والصديقة واتفاقيات التعاون الثقافي من أجل الحصول على ما لم يترجم وينشر مما كتب عن اليمن واعتماد هذه الندوة فاتحة لسلسلة من الأنشطة في المجال نفسه، كما دعا المشاركون الجامعات اليمنية لتدريس أجزاء من المتن الكبير – الذي كتبه الرحالة والمستشرقون والعلماء والآثاريون – في مختلف الأقسام كل في ما يخصه، إضافة إلى توصيتهم بالعمل على توجيه قسم من الأبحاث والدراسات ورسائل الماجستير والدكتوراه في كليات اللغات والألسن لترجمة الدراسات والبحوث والكتابات المتعلقة باليمن في لغات العالم المختلفة.
الثورة نت